فصل: خلع السلطان على الأمير إينال العلائي الناصري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


ثم ورد الخبر على السلطان بأن الأمير ناصر الدين بك ابن دلغادر قبض على الأمير جانبك الصوفي في سابع عشر شهر ربيع الأول وكان السلطان قدم عليه من البلاد الشامية كتاب وفي ضمنه كتاب من عند شاه رخ بن تيمورلنك يتضمن تحريض جانبك الصوفي على أخذ البلاد الشامية وأنه سيقدم عليه ابنه أحمد جوكي وبابا حاجي نجدة له على قتال سلطان مصر فقبض على حامل هذا الكتاب وحبس فلما بلغ السلطان ذلك كتب إلى نواب البلاد الشامية بالتأهب والاستعداد لنجدة نائب حلب الأمير إينال الجكمي إذا استدعاهم ولم يكترث السلطان بقبض جانبك الصوفي وقال‏:‏ هذه حيلة‏.‏

وكان من خبر جانبك الصوفي والقبض عليه وهو خلاف ما نقل عنه قبل ذلك لاختلاف الأقوال في أمره فخبره من هذا الوجه‏:‏ أنه لما فر من الإسكندرية دخل القاهرة بعد أمور ودام بها سنين مختفيًا في حاراتها وظواهرها إلى أن خرج منها متنكرًا وسار إلى البلاد الشامية ثم إلى بلاد الروم فظهر بتوقات في شوال من السنة الماضية أعني سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة فقام متوليها الأمير أركج باشا بمعاونته وأنعم عليه وكتب إلى ناصر الدين محمد بن دلغادر نائب أبلستين وإلى أسلماس بن كبك وإلى محمد بن قطبكي وإلى قرايلك ونحوهم من أمراء التركمان بالقيام معه والاستعداد لنصرته‏.‏

فانضم إلى جانبك الصوفي عند ذلك جماعة كبيرة فتهيأ وخرج بهم من توقات فوافاه الأمير قرمش الأعور أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية المقدم ذكره في واقعة جانبك الصوفي لما قبض عليه بالقاهرة‏.‏

وكان من خبر قرمش المذكور أن الملك الأشرف أمسكه بعد أن قبض على الأمير جانبك الصوفي بمدة يسيرة وحبسه بثغر الإسكندرية ثم أطلقه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق فلما خرج الأمير تنبك البجاسي عن طاعة الملك الأشرف وافقه قرمش هذا وبقي من حزبه إلى أن انكسر البجاسي وقبض عليه فاختفى قرمش المذكور ولم يظهر له خبر إلى هذا اليوم فكأنه كان مختفيًا بتلك البلاد فلما ظهر أمر جانبك الصوفي توجه إليه انتهى‏.‏

وسار الأمير جانبك الصوفي بمن انضم عليه ومعه الأمير قرمش من توقات إلى الأمير محمد بن ترايلك صاحب قلعة جمركشك فأكرمهم محمد المذكور وقواهم فشنوا منها الغارات على مدينة دوركي وضايقوا أهلها ونهبوا نواحيها فاتفق ورود كتاب شاه رخ ملك الشرق على قرايلك يأمره بالمسير بأولاده وعساكره لقتال إسكندر بن قرا يوسف سريعًا عاجلًا فكتب قرايلك إلى ولده محمد بالقدوم عليه لذلك فترك محمد جانبك الصوفي ومن معه على دوركي وتوجه إلى أبيه‏.‏

فسار جانبك إلى أسلماس وابن قطبكي واجتمعوا ونزلوا على ملطية وحصروها وكادهم سليمان بن ناصر الدين بك ابن دلغادر وكتب إلى جانبك أنه معه‏:‏ فكتب إليه أنه يقدم عليه وكان تقدم بينهما مكاتبات حسبما تقدم ذكره ومواعدات بمجيء جانبك إلى أبلستين فلم يقع ذلك وأرسل جانبك إليه بالقدوم عليه مع الأمير قرمش الأعور فأكرمه سليمان وركب وسار مع الأمير قرمش في وخمسين فرسًا إلى جهة جانبك الصوفي حتى قدم عليه‏.‏

فتلقاه جانبك وعانقه وعادا بمن معهما على حصار ملطية فأظهر سليمان من النصاحة ما أوجب ركون جانبك إليه‏.‏

فأخذ سليمان في الحيلة على جانبك المذكور بكل ما تصل قدرته إليه ولازال به حتى خرج جانبك معه في عدة من أصحابه ليستريحا بمكان للنزهة فيه ورتبا قرمش وبقية العسكر على حصار ملطية فلما نزل سليمان وجانبك للنزهة ورأى أن حيلته تمت وثب جماعة سليمان على جانبك الصوفي وقيدوه وأركبوه على أكديش وسار به ليلته ومن الغد حتى وصل إلى بيوته بأبلستين وحبسه عنده فلم يفطن قرمش وأصحابه بمسك جانبك حتى جاوز جانبك بلادًا سعيدة‏.‏

ولما قبض سليمان على جانبك الصوفي أرسل يعرف السلطان بذلك وأما السلطان لما بلغه خبر القبض على جانبك الصوفي لم يحمل ذلك على الصدق وأخذ فيما هو فيه‏.‏

فورد عليه في يوم الخميس حادي عشر شهر ربيع الآخر سيف الأمير قصروه نائب الشأم على يد الأمير علي بن إينال باي بن قجماس فعين السلطان الأمير إينال الجكمي نائب حلب إلى نيابة دمشق عوضًا عن قصروه ورسم لتغري برمش الأمير آخور الكبير بنيابة حلب عوضًا عن إينال الجكمي غير أنه لم يخلع على تغري برمش المذكور إلا بعد أيام حسبما يأتي ذكره‏.‏

ثم في ثالث عشره نودي بعرض أجناد الحلقة ليستعدوا للسفر إلى الشام ولا يعفى أحد منهم وجمع السلطان قضاة القضاة بين يديه وسألهم في أخذ أموال الناس للنفقة المتحوجة لقتال شاه رخ بن تيمور فكثر الكلام وانفضوا من غير أن يفتوه بذلك‏.‏

فقيل إن بعض الفقهاء قال‏:‏ كيف نفتيه بأخذ أموال المسلمين وكان لبس زوجته يوم طهور ولدها يعني الملك العزيز يوسف ما قيمته ثلاثون ألف دينار وهي بدلة واحدة وإحدى نسائه ولم يعرف القائل لذلك من هو من الفقهاء غير أنه أشيع ذلك في أفواه الناس‏.‏

ولما بلغ الناس ذلك كثر قلقهم من هذا الخبر‏.‏

ثم في يوم الاثنين خامس عشر شهر ربيع الآخر المذكور ابتدأ السلطان بعرض أجناد الحلقة فتجمع بالحوش السلطاني منهم عدة مشايخ وأطفال وعميان وعرضوا على السلطان فقال لهم‏:‏ لا أنا ما أعمل كل عمل الملك المؤيد شيخ عن أخذ المال منكم ولكن اخرجوا جميعكم فمن قدر منكم على فرس ركب فرسًا ومن قدر على حمار ركب حمارًا فنزلوا على ذلك إلى بيت الأمير أركماس الظاهري الدوادار الكبير فحل بهم عند ذلك بلاء الله المنزل وتحكم فيهم الأكلة وصاروا في أيديهم كالفريسة في يد فارسها و ذلك لعدم معرفة أركماس المذكور بالأحكام وقلة دربته بالأمور فإنه كان رجلًا غتميًا لا يعرف باللغة التركية فكيف اللغة العربية ففاز المتمولون وتورط المفلسون‏.‏

قلت‏:‏ وعدت هذه الفعلة من غلطات الملك الأشرف كونه يندب لهذا الأمر المهم مثل أركماس هذا وقد تقدم أن الملوك السالفة كانت تندب لهذا الأمر مثل الأمير طشتمر الدوادار ومثل سودون الشيخوني ومثل يونس الدوادار وآخرهم جقمق دوادار المؤيد وكل واحد من هؤلاء كان شأنه مع من يعرضه كالطبيب الحاذق العارف بمرض من يعالجه‏:‏ ينظر إلى وجه المعروض عليه ويسأله عن إقطاعه وعن متحصله سؤالاص لا يخفاه بعد ذلك شيء من حاله فعند ذلك ينظر في أمره بفراسته إن كان إقطاعه يقوم بسفره ألزمه بالسفر غصبًا على رغم أنفه لا يسمع في أمره رسالة ولا شفاعة وإن كان لا يقوم بسفره ألزمه بالإقامة وندبه لحفظ جهة من الجهات ومشى في جميع عرضه على ذلك وقد انتصف الناس من كونه ألزم كل واحد بما هو في قدرته‏.‏

فكان هذا العرض بخلاف هذا جميعه‏:‏ ترك فيه من إقطاعه يعمل في السنة مائة ألف حيث هو من جهته رجل من أرباب الشوكة أو باذل مال وألزم بالسفر من إقطاعه يعمل في السنة خمسة آلاف درهم فلوسًا كونه فقيرًا ولا عصبية له انتهى‏.‏

وبينما السلطان في ذلك ورد عليه كتاب أصبهان بن قرا يوسف صاحب بغداد يشتمل على التودد وأنه هو وأخاه إسكندر يقاتلان شاه رخ وتاريخه قبل قدوم أحمد جوكي بن شاه رخ وبابا حاجي بعساكر شاه رخ وقبل موت قرايلك‏.‏

ثم في سابع عشره قدم أيضًا قصاد إسكندر بن قرا يوسف صحبة الأمير شاهين الأيدكاري الناصري أحد حجاب حلب وعلى يدهم رأس الأمير عثمان بن طرعلي المدعو قرايلك ورأس ولديه وثلاثة رؤوس آخر وكان السلطان توجه في هذا اليوم إلى الصيد فقدم من الغد يوم الخميس ثامن عشره فأمر بالرؤوس الستة فطيف بها على رماح وقد زينت القاهرة لذلك فرحًا بموت قرايلك ثم علقت الرؤوس على باب زويلة ثلاثة أيام‏.‏

وكان من خبر موته أنه لما سار إسكندر بن قرا يوسف من تبريز لقتاله إلى أن نزل بالقرب من أرزن وبلغ قرايلك مجيئه جهز ابنه علي بك ومعه فرقة من العسكر وهو تابعهم فالتقوا هم وإسكندر فاستظهر عسكر قرايلك في أول الأمر‏.‏

ثم إن إسكندر ثبت وحمل عليه بمن معه حملة رجل واحد على عسكر قرايلك فكسرهم وذلك خارج أرزن الروم المذكورة‏.‏

فعندما انهزم قرايلك ساق إسكندر خلفه فقصد عسكر قرايلك أرزن الروم ليتحصنوا بها فحيل بينهم وبينها وقبل أن يتجاوزوا عنها أرمى قرايلك بنفسه إلى خندقها ليفوز بمهجته وعليه آلة الحرب فوقع على حجر فشج دماغه ثم قام فحمل إلى قلعة أرزن الروم بحبال فدام بها أيامًا قليلة ومات في العشر الأول من صفر في هذه السنة بعد أن أقام في الأمر نيفًا وخمسين سنة‏.‏

ومات وقد قارب المائة سنة من العمر ودفن خارج أرزن الروم فتتبع إسكندر بن قرا يوسف قبره حتى عرفه ونبش عليه وأخرجه وقطع رأسه ورأس ولديه وثلاثة رؤوس آخر من أمرائه ممن ظفر به إسكندر في الوقعة وأرسل الجميع مع قاصده إلى الملك الأشرف حسبما تقدم ذكره‏.‏

هذا ما كان من موتة قرايلك ويأتي بقية ترجمته وأصله فى الوفيات من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم في يوم السبت عشرينه خلع السلطان على الأمير حسين بن أحمد البهسني المدعو تغري برمش الأمير آخور الكبير باستقراره نائب حلب عوضًا عن الأتابك إينال‏.‏

الجكمي وسافر من الغد إلى محل كفالته وتولى الأمير آخورية عوضه الأمير جانم الأشرفي وكتب بانتقال الجكمي إلى نيابة الشام عوضًا عن قصروه بحكم وفاته‏.‏

وفي هذا اليوم حضر قصاد إسكندر بن قرا يوسف بين يدي السلطان بكتابه فقرىء وأجيب بالشكر والثناء ووجه إليه مالًا وغيره من القماش السكندري ما قيمته عشرة آلاف دينار ووعده بمسير السلطان إلى تلك البلاد‏.‏

ثم نزل السلطان إلى الإسطبل السلطاني وعرضه بنفسه وأرسل إلى الصاحب كريم الدين ابن كاتب المناخ وإلى الأمير يلخجا بجمال كثيرة وكان ندبهما للسفر إلى بندر جدة‏.‏

ثم في تاسع عشرين شهر ربيع الآخر المذكور توجه الأمير شاد بك الجكمي أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة إلى الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر بمال وخيل وقماش سكندري وغير ذلك وإلى ولده سليمان بمثل ذلك وكتب لهما أن يسلما شاد بك المذكور الأميرجانبك الصوفي ليحمله إلى قلعة حلب فسار شاد بك في هذا اليوم تأتي بقية أمره في عوده‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء خامس عشر جمادى الأولى خلع السلطان على جوهر الصفوي الجلباني اللالا باستقراره زمام الدار بعد موت خشقدم الظاهري الرومي وكانت شاغرة من يوم مات خشقدم المذكور‏.‏

ولما كان يوم السبت ثامن عشر جمادى الآخرة المذكورة برز الصاحب كريم الدين والأمير يلخجا الساقي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بمن معهما من الحاج إلى ظاهر القاهرة ثم ثم في يوم الخميس ثالث عشرين جمادى الآخرة المذكورة خلع السلطان على السيفي آقباي اليشبكي الجاموس أحد دوادارية السلطان الأجناد باستقراره في نيابة الإسكندرية عوضًا عن خليل بن شاهين الشيخي بحكم عزله‏.‏

ثم في ثاني عشرينه وصل الأمير أقطوه الموساوي الظاهري برقوق المتوجه في الرسالة إلى شاه رخ بن تيمورلنك وقدم من الغد إلى القاهرة الشيخ صفا رسول شاه رخ المذكور بكتابه فأنزل وأجري عليه الرواتب ثم ورد الخبر على السلطان أن رسل أصبهان بن قرا يوسف صاحب بغداد سارت إلى القان معين الدين شاه رخ وهو مقيم على قراباغ بدخوله تحت طاعته وأنه من جملة خدمه فأقامت رسله ثلاثين يومًا لا تصل إلى شاه رخ ثم قدموا بين يديه فأجابه بالإنكار على أصبهان المذكور من كونه أخرب العراق وبغداد وأبطل مسير الحج من بغداد ثم أمره بعمارة بغداد وأن يعمرها وإلا فقد مشى عليه وأخرب دياره وأكثر له من الوعيد وأنه أمهله في ذلك مدة سنة وكان أصبهان بعث بهدية فأخذها ولم يعوضه عنها شيئًا وإنما جهز له خلعة بنيابة بغداد وتقليدًا ثم خلع على رسله وأمرهم بالعود إليه وتبليغه ما ذكره لهم بتمامه وكماله‏.‏

قلت‏:‏ وفي الجملة إن جور أولاد تيمورلنك أحسن من عدل بني قرا يوسف‏.‏

ثم في يوم السبت ثاني شهر رجب أحضر السلطان الملك الأشرف الشيخ صفا رسول شاه رخ إلى بين يديه وهو جالس على المقعدة بالإسطبل السلطاني بمن معه من قصاد شاه رخ وقرىء كتابه فإذا هو يتضمن أنه يأمر السلطان أن يخطب له ويضرب السكة باسمه ثم أخرج الشيخ صفا خلعة السلطان بنيابة مصر ومعها تاج ليلبسه السلطان وخاطب السلطان بكلام لم يسع السلطان معه صبرًا‏.‏

وعندما رأى السلطان الخلعة أمر بها فمزقت تمزيقًا وأمر بالشيخ صفا المذكور فضرب ضربًا مبرحًا خارجًا عن الحد ثم أقيم بعد ذلك وأمر به فسحب إلى بركة ماء بالإسطبل فألقي فيها منكوسًا وغمس فيها غير مرة حتى أشرف على الهلاك وكان الوقت شتاء شديد البرد‏.‏

كل ذلك ولم يستجرىء أحد من الأمراء أن يتكلم في أمر الشيخ صفا بكلمة واحدة من نوع الشفاعة لشدة غضب السلطان‏.‏

ولقد لازمت الملك الأشرف كثيرًا من أوائل سلطنته إلى هذا اليوم ولم أره غضب مثلها قبلها‏.‏

ثم طلب السلطان الشيخ صفا المذكور وحدثه بكلام طويل محصوله يقول لصفا‏:‏ إنك تتوجه إلى شاه رخ وتذكر له ما حل بك من الإخراق والبهدلة والعذاب وأنه قد ولاني نيابة مصر إلا أنا فإني لا أرتضيه شحنة لي على بعض قرى أقل أعمالي وإن كان له قوة فهو يظهر ذلك بعد هذا الإخراق بك ويمشي على أعمالنا وإن لم يأت في العام القابل فكل ما يأتي منه بعد ذلك فهو ثم رسم السلطان بإخراجه مع رفقته في البحر المالح إلى مكة فتوجهوا وحجوا ثم عادوا إلى شاه رخ وبلغوه ذلك فلم يتحرك بحركة وهاب ملوك مصر بهذه الفعلة إلى أن مات‏.‏

ولعمري لقد كانت هذه الواقعة من الملك الأشرف حسنة من حسناته التي قامت بفعلتها حرمة العساكر المصرية إلى يوم القيامة‏.‏

قلت‏:‏ ولا أعرف للملك الأشرف فعلة فعلها في أيام سلطنته أحسن ولا أعظم ولا أجمل من إقدامه على هذا الأمر من ضرب قاصد شاه رخ وتمزيق خلعته فإنه خالف في ذلك جميع أمرائه وأرباب دولته لأن الجميع أشاروا عليه بالمحاسنة في رد الجواب إلا هو فإن الله عز وجل وفقه إلى ما فعل ولله الحمد ومن يومئذ عظم أمر الملك الأشرف وتلاشى أمر شاه رخ في جميع بلاد الإسلام‏.‏

ثم خلع السلطان على شيخ الشيوخ بخانقاه سرياقوس محب الدين محمد بن الأشقر باستقراره في كتابة السر بالديار المصرية عوضًا عن القاضي كمال الدين بن البارزي بحكم عزله‏.‏

ثم جهز السلطان تجريدة من الأمراء والمماليك السلطانية إلى البلاد الشامية بسبب ظهور جانبك الصوفي وغيره وقد بلغ السلطان أن ابن دلغادر أطلق جانبك الصوفي‏.‏

ثم في حادي عشر شهر رجب المذكور قدم الأمير شاد بك الجكمي من بلاد أبلستين لأخذ جانبك الصوفي بغير طائل بعد أن قاسى شدائد من عظم البرد والمطر والثلوج حتى إنه هلك من أصحابه جماعة كبيرة من ذلك‏.‏

وكان من خبر شاد بك أنه لما وصل إلى ناصر الدين بك ابن دلغادر تلقاه وأكرمه وأخذ ما معه من الهدية والتحف والمال قلت‏:‏ الدورة على هذا لا على غيره ثم أخذ ناصرالدين بك ابن دلغادر يسوف بالأمير شاد بك من يوم إلى يوم إلى أن طال الأمر وظهر لشاد بك أنه لا يمكنه منه فكلمه في ذلك فاعتذر ناصرالدين بك بعدم تسليمه من أنه يخاف من أن يعاير بذلك وأيضًا مما ورد عليه من كتب شاه رخ وغيره من ملوك الأقطار بالتوصية عليه وأشياء من هذه المقولة والمقصود‏:‏ أنه منعه منه ثم أطلقه وأعاده إلى حاله الأول وأحسن فعظم ذلك على السلطان إلى الغاية ولم أسأل الأمير شاد بك هل اجتمع بالأمير جانبك الصوفي عند ابن دلغادر أم لا‏.‏

ولما أن عاد شاد بك من عند ابن دلغادر من غير قضاء حاجة اضطرب الناس وتحدث كل أحد بما في نفسه من المغيبات‏.‏

وكثر قلق السلطان وأخذ يستحث الأمراء المجردين في السفر‏.‏

وأدير محمل الحاج في يوم الاثنين خامس عشرين شهر رجب من غير لعب الرماحة على العادة في كل سنة لشغل خاطر السلطان‏.‏

ثم في يوم الأربعاء خامس عشرين شعبان برز الأمراء المجردون من القاهرة إلى الريدانية خارج القاهرة وهم‏:‏ الأمير الكبير تجقمق العلائي الناصري الظاهري والأمير أركماس الظاهري الدوادار والأمير يشبك السودوني المشد وهو يومذاك حاجب الحجاب والأمير تنبك البردبكي نائب القلعة كان والأمير قرا خجا الحسني والأمير تغري بردي البكلمشي المؤذي والأمير خجا سودون السيفي بلاط الأعرج فأقاموا إلى يوم سابع عشرينه وسافروا إلى جهة البلاد الشامية‏.‏

ثم نقل حسن بن أحمد البهسني نائب القدس إلى حجوبية الحجاب بحلب بسفارة أخيه تغري برمش نائب حلب عوضًا عن الأمير قانصوه النوروزي بحكم انتقال قانصوه إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق‏.‏

ثم في يوم الاثنين سابع شهر رمضان خلع السلطان على الأمير غرس الدين خليل بن شاهين الشيخي المعزول عن نيابة الإسكندرية باستقراره وزيرًا بالديار المصرية عوضًا عن التاج الخطير الأسلمي‏.‏

ثم في يوم الخميس رابع عشرين شهر رمضان قدم إلى القاهرة الأمير أسلماس بن كبك التركماني مفارقًا لجانبك الصوفي فأكرمه السلطان وأنعم عليه ثم خلع عليه في يوم الخميس أول شوال خلعة السفر ورسم بتجهيزه‏.‏

ثم في يوم الخميس ثامن شوال عزل السلطان الوزير خليل بن شاهين الشيخي عن الوزارة وألزم الصاحب أمين الدين بن الهيصم بشد أمور الدولة ومراجعة عبد الباسط في جميع أحوال الدولة فمشت الأحوال‏.‏

قلت‏:‏ وهذا كان قصد السلطان أن يلقي الأستادارية والوزارة فى رقبة عبد الباسط وقد وقع ذلك انتهى‏.‏

ومن يوم ذلك أخذ عبد الباسط يحسن للسلطان طلب الصاحب كريم الدين ابن كاتب المناخ وإعادته للوزارة فيقول له السلطان‏:‏ هذا شيء صار يتعلق بك افعل فيه ما شئت فكتب في يوم تاسعه بإحضار الصاحب كريم الدين من بندر جدة على يد نجاب بعد فراغ شغله ليلي الوزارة‏.‏

حدثني الصاحب كريم الدين قال‏:‏ كان أولأ إذا كتب إلي عبد الباسط ورقة في حاجة يخاطبني فيها مخاطبة ليست بذاك إلى أن أضيف إليه التكلم في الوزارة وطلبت من بندر جدة فصارت كتبه تأتيني بعبارة عظيمة وترقق زائد وتحشم كبير‏.‏

فلما أن قدمت وعدت إلى الوزارة امتنع مما كان يفعله معي في ولايتي الأولى من الإفراجات التي كان لا يخلو يوم إلا ويأتيني شيء منها فصار في ولايتي هذه كلما قيل له أن يرسل إلي لأفرج له عن شيء يقول‏:‏ خلوه يكفيه الذي هو فيه نحن يجب علينا مساعدته قلت له‏:‏ فكان يساعد قال‏:‏ إي والله ثم في سابع عشرين شوال كتب بعزل الأمير إينال العلائي الناصري ونائب الرها وقدومه إلى القاهرة‏.‏

وخلع السلطان على الأمير شاد بك الجكمي أحد أمراء الطبلخاناه ورأس نوبة ثاني باستقراره في نيابة الرها على إقطاعه عوضًا عن إينال المذكور‏.‏

وكتب أيضًا بعزل الأمير إينال الششماني الناصري عن نيابة صفد وأن يتوجه إلى القدس بطالًا وأن يستقر عوضه في نيابة صفد الأمير تمراز المؤيدي أحد مقدمي الألوف بدمشق‏.‏

ثم في أواخر ذي القعدة قدم الخبر على السلطان أن شاه رخ بن تيمورلنك رحل عن حاضرة مملكة أذربيجان وهي تبريز بعد أن استناب عليها جهان شاه بن قرا يوسف عوضًا عن أخيه إسكندر وزوج جهان شاه المذكور أيضًا بنساء اسكندر المذكور بحكم الشرع لكون إسكندر كان في عصمته أزيد من ثمانين امرأة‏.‏

ونزل شاه رخ في أواخر ذي القعدة على مدينة السلطانية وعزم على أنه لا يرحل عنها إلى ممالكه حتى يبلغ غرضه من إسكندر بن قرا يوسف‏.‏

فلم يلتفت السلطان إلى ذلك وأخذ فيما هو فيه من أمر جانبك الصوفي غير أنه صار في تخوف من أن يردف شاه رخ جانبك الصوفي بعسكر إذا تم أمره من إسكندر‏.‏

وأما العسكر المجرد من مصر وغيرها فإنه لما توجه إلى حلب سار منها نائبها تغري برمش البهسني بعساكر حلب وصحبته الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حماه بعساكر حماه ونزل على عينتاب وقد نزل جانبك الصوفي مرغش فتوجهوا إليه من الدربند أمام العسكر المصري ونزلوا على بزرجق يعني‏:‏ سويقة باللغة العربية ثم عدوا الجسر وقصدوا ناصر الدين بك دلغادر نائب أبلستين من طريق دربند كينوك فلم يقدروا على سلوكه لكثرة الثلوج فمضوا إلى دربند آخر من عمل بهسنا وساروا منه بعد مشقة يريدون أبلستين وساروا حتى طرقها تغري برمش المذكور بمن معه في يوم الثلاثاء تاسع شهر رمضان فلم يدرك ناصرالدين بن دلغادر بها فأمر تغري برمش بنهب أبلستين وإحراقها فنهبت وأحرقت بأجمعها ثم أمر العسكر بنهب جميع قراها وإحراقها فنهبوها وأخذوا منها شيئًا كثيرًا‏.‏

ثم عاد نائب حلب بمن معه والأغنام تساق بين يديه بعد أن امتلأت أيدي العساكر من النهب وترك أبلستين خرابًا قاعًا صفصفًا وعاد إلى حلب بعد غيبته عنها خمسين يومًا كل ذلك وأمراء مصر بحلب‏.‏

ثم بلغ تغري برمش بعد قدومه إلى حلب أن ناصرالدين بن دلغادر نزل بالقرب من كينوك فجهز إليه أخاه حسنًا حاجب حجاب حلب وحسن هو الأسن ومعه مائة وخمسون فارسًا إلى عينتاب تقوية للأمير خجا سودون وقد نزل بها بعد أن انفرد عن العسكر المصري من يوم خرج من الديار المصرية فتوجه حسن المذكور بمن معه إلى خجا سودون وأقام عنده‏.‏

فلما كان يوم رابع عشرين ذي الحجة من سنة تسع وثلاثين المذكورة وصل إليهم الأمير جانبك الصوفي ومعه الأمير قرمش الأعور والأمير كمشبغا المعروف بأمير عشرة أحد أمراء حلب وكان توجه من حلب وانضم على جانبك الصوفي قبل تاريخه بمدة طويلة ومعه أيضًا أولاد ناصر الدين بك ابن دلغادر الجميع ما عدا سليمان فنزلوا على مرج دلوك ثم ركبوا وساروا منه إلى قتال خجا سودون بعينتاب فركب خجا سودون أيضًا بمماليكه وبمن معه من التركمان والعربان وقاتلهم آخر النهار وباتوا ليلتهم‏.‏

وأصبحوا يوم الثلاثاء خامس عشرين ذي الحجة تقدم حسن حاجب الحجاب بمن معه من التركمان والعربان أمام خجا سودون فتقدم إليهم جانبك الصوفي بمن معه وهم نحو الألفي فارس فقاتلته العساكر المذكورة وقد تفرقوا فرقتين‏:‏ فرقة عليها خجا سودون وحسن حاجب الحجاب المقدم ذكره وفرقة عليها الأمير تمرباي اليوسفي المؤيدي دوادار السلطان بحلب وتركمان الطاعة في كل فرقة منهما‏.‏

وتصادم الفريقان فكانت بينهم وقعة هائلة انكسر فيها جانبك الصوفي وأمسك الأمير قرمش الأعور والأمير كمشبغا أمير عشرة وهما كانا جناحي مملكته وثمانية عشر فارسًا من أصحاب جانبك الصوفي وانهزم جانبك في أناس وتبعهم العساكر فلم يقدروا عليهم فعادوا فأخذ خجا سودون قرمش وكمشبغا بمن معهما وقيد الجميع وسيرهم إلى حلب وكتب بذلك إلى السلطان‏.‏

فقدم الخبر على السلطان في صفر من سنة أربعين وثمانمائة ومع المخبر رأس الأمير قرمش الأعور ورأس الأمير كمشبغا أمير عشرة وأنه وسط من قبض معهما بحلب فشهر الرأسان بالقاهرة ثم ألقيا في سراب الأقذار بأمر السلطان ولم يدفنا‏.‏

ودقت البشائر لذلك أيامًا وفرح السلطان بذلك وأرسل إلى نائب حلب وإلى خجا سودون بالشكر والثناء‏.‏

ومن يوم ذاك أخذ أمر جانبك الصوفي في إدبار بعد ما كان اجتمع عليه ملوك وخلائق لقلة سعده‏.‏

قلت‏:‏ كان جانبك الصوفي خاملًا لايتحرك بحركة إلا وانعكست عليه طول عمره وقد استوعبنا أحواله في تاريخنا المنهل الصافي ويأتي من ذكره هنا أيضًا نبذة في الوفيات وغيرها إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم في أول شهر ربيع الأول من سنة أربعين المذكورة رسم السلطان بعزل تمراز المؤيدي عن نيابة صفد لسوء سيرته وكثرة ظلمه ونقله إلى نيابة غزة عوضًا عن الأمير يونس الركني ونقل يونس المذكور إلى نيابة صفد عوضًا عن تمراز للمذكور أعني أن كلًا منهما ولي عن الآخر وحمل إليهما التقليد والتشريف الأمير دولات باي المحمودي الساقي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بسفار صهره الأمير جانم الأشرفي الأمير الآخور الكبير‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء سادس شهر ربيع الأول المذكور خلع السلطان على الصاحب كريم الدين عبد الصاحب كريم ابن كاتب المناخ بعد قدومه من بندر جدة باستقراره وزيرًا على عادته وكانت شاغرة من مدة طويلة ويقوم بمصارفها الزينب عبد الباسط بن خليل‏.‏

ثم أرسل السلطان يطلب الأمراء المجردين إلى الديار المصرية بعدما أنعم على الأمير الكبير جقمق بألف دينار وعلى كل مقدم ألف أيضًا من المجردين بخمسمائة دينار فقدموا القاهرة في يوم الاثنين سابع عشر جمادى الأولى من سنة أربعين المذكورة وطلعوا إلى القلعة وقبلوا الأرض وخلع السلطان عليهم الخلع السنية وأركبهم خيولًا بقماش ذهب‏.‏

وتأخر عن الأمراء المذكورين الأمير خجا سودون وكانت هذه عادته إلى أن قدم في يوم الاثنين ثامن جمادى الآخرة من سنة أربعين المذكورة وطلع إلى القلعة وخلع السلطان عليه وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه زيادة على ما بيده من تقدمة ألف ثم خلع السلطان على القاضي كمال الدين ابن البارزي باستقراره قاضي قضاة دمشق عوضًا عن السراج عمرو بن موسى الحمصي مسؤولًا في ذلك مرغوبًا في ولايته‏.‏

ثم في يوم الخميمس عاشر شهر رجب من سنة أربعين المذكورة

 خلع السلطان على الأمير إينال العلائي الناصري

المعزول عن نيابة الرها وهو يوم ذاك من جملة مقدمي الألوف بالديار المصرية باستقراره في نيابة صفد عوضًا عن الأمير يونس الركني ورسم بتوجه يونس المذكور إلى القدس بطالًا‏.‏

وخلع على الأمير طوخ من تمراز المعروف بيني بازق أن يستقر مسفر الأمير إينال المذكور‏.‏

ثم في رابع عشر شهر رجب المذكور أنعم بإقطاع الأمير إينال وتقدمته على الأمير قراجا الأشرفي شاد الشراب خاناه وأنعم بطبلخانة قراجا على الأمير إينال الأبو بكري الأشرفي الخازندار وخلع عليه باستقراره شاد الشراب خاناه عوضه أيضًا وخلع السلطان على الأمير السيفي علي باي الساقي الخاصكي الأشرفي باستقراره خازندارًا عوضًا عن إينال المذكور‏.‏